محمد فتحى يكتب | ثلاث قصص

محمد فتحى يكتب | ثلاث قصص

محمد-فتحي

(1) علاقة

لا يمكن فهم العلاقة بين الأم وطفلها إلا حين ترى المشهد الشهير الذى اعتدت عليه عندما تضرب الأم صغيرها بقسوة وتصفعه فى الشارع، فيبكى بشدة؛ لكنه يندفع فى حضنها، ولعل الأم تعرف هذا جيداً، فلا تتردد فى فعل ذلك فى أى وقت مرددة -إذا عاتبها أحدهم- المثل الشعبى الشهير: «أدعى على ولدى وأكره اللى يقول آمين»، وهامسة لصغيرها إذا عاتبها أو (صعب عليها): «وأنا باضربك ليه؟؟.. مش عشان تسمع الكلام وماتعملش غلط؟؟.. مش عشان عايزاك تبقى واد كويس؟؟»، لكن هذه الأم تحديداً.. من بين كل الأمهات، ستقضى وقتاً طويلاً لكى تنسى أنها عندما ضربت ابنها الذى كان يحاول أن يتملص من يدها فى الشارع، خوفاً عليه من السيارات المسرعة، فإنها دفعته دون أن تدرى، ودون أن تريد نحو إحداها، فداست عليه أمامها، لتصرخ بعد فوات الأوان.

(2) وردة

أعطاها وردة فابتسمت، ثم تأوهت حين جرحتها، فقبَّل إصبعها لتعود وتبتسم من جديد.

تكرر الأمر فى المرة التالية حتى أحبت الألم لمجرد أنه سيجعله يقبِّل جرحها، فتبتسم.

بعدها، ولا أحد يعرف متى ولا كيف، ولا لماذا؟

سيجرحها حين يعطيها وردة أخرى.

لكنها لن تبتسم حين يقبِّل إصبعها.

وستتركه وتنصرف.

(3) الروضة

رغم الزحام استطعت الدخول.

أنظر إلى المنبر، وقبر الرسول وأدرك أننى أقف فى روضة من رياض الجنة.

ألمح مكاناً بالكاد يمكننى أن أجلس فيه.

أهم بالمرور فيمنعنى رجل عجوز يجلس على الأرض.

أنظر إليه بدهشة، فلا يعيرنى انتباهاً، فقط يمد يده ليمنعنى.

أدخل من الناحية الأخرى، فيمد يده إلى الناحية الأخرى ويمنع مرورى.

أقول له: عدينى يا حاج، فينظر إلىّ بملامح جامدة ويتمتم بكلمات لا أعرفها بلغة عرفت فيما بعد أنها فارسية.

أنظر حولى والناس بين راكع وساجد ومسبح وقارئ للقرآن، ولا مكان إلا أمام هذا الرجل، ولا مرور إلا من عنده.

أحاول إزاحته وأهم بالمرور من فوق يده بعد أن شمرت الجلابية التى أرتديها فأفاجأ به وقد وضع المصحف أمام قدمى حتى لا أتخطاه.

أنظر إليه فى غضب، فينظر إلىّ بتحدٍّ. ألكزه بكوعى فى قوة فيتأوه ويميل بجذعه إلى اليمين، فأضغط عليه من الناحية الأخرى ليظل منحنياً وأمر من جانبه، وأنا أنقل بصرى بين قبر الرسول ومنبره وأدرك أننى أقف فى روضة من رياض الجنة، وحين يعدل جسده ويهم برد فعل لا أعرفه ولا أتوقعه أكون قد أقمت الصلاة، فلا يفعل شيئاً، وأنظر ورائى بعدها فلا أجده أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *