مجموعة سعودي القانونية

محمد فتحى يكتب| حتى لا يصبح مثل دستور الإخوان

محمد-فتحي

قبل عدة أشهر تعاملت مع الدستور الذى عكف الإخوان ومناصروهم على إعداده بمبدأ: دعنا نرَ أسلوب العمل والنتائج قبل أن نحكم.

كان أسلوب العمل مقيتاً، والغرور وصل لأقصاه، والناس من داخل اللجنة تردد أنه أعظم دستور فى الكون، واللجنة تتعامل بتعالٍ غريب وإقصاء شديد للآخر، وبدلاً من أن تكون ممثلة للمصريين أصبحت ممثلة للتيار الإسلامى بإخوانه وسلفييه وجماعته الإسلامية، وهكذا حدثت الخلافات، ثم الانسحابات، ثم تم طبخ الدستور فى «نص الليل»، ولم يحدث التوافق الذى وعد به «مرسى وإخوانه»، وتم العمل بمبدأ: الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا. وتم الدفع بالدستور سريعاً للاستفتاء الذى نعرف جميعاً أن المصريين لم يقولوا فيه أبداً أبداً: لا.

هكذا رفضنا الدستور، ورفضنا الجهل الذى تم التعامل به مع صياغة مواده، مع المواءمات السياسية التى جعلت جهلاء، بالمعنى الحقيقى للكلمة، يشاركون فى التخطيط لمستقبل مصر ووضع دستورها.

حسناً.. ما الذى تغير فيما يحدث الآن من لجنة الخمسين القائمة على وضع الدستور الجديد؟

أنا أعتقد أنه لا شىء.

– تم التعامل مع الأمر بمبدأ الأغلبية والإقصاء، واللى يحبنا ما يضربش نار.

– اختيارات اللجنة تنم عن «شللية» و«محاباة» و«كوسة» واضحة فى بعض الأسماء التى لا تختلف عن الأسماء التى انتقدناها فى دستور الإخوان.

– جلسات الحوار التى تم تنظيمها لا يسمح فيها بالكلام لأكثر من ثلاث دقائق، ولا تكفى لحوار مجتمعى حقيقى ملىء بالاقتراحات المهمة.

والآن.. ما المعضلة التى تواجهنا؟

المعضلة قلتها للصديق العزيز محمود بدر، ممثل حركة تمرد فى لجنة الخمسين.

حتى لو لم يعجبنا الأداء، وحتى لو كانت هناك تحفظات لنا على الأسماء، فنحن فى انتظار النتيجة، ولا يستقيم أبداً أن يكون فى هذه النتيجة ما هو مخالف لكل منطق.

يعنى مثلاً: هناك توافق من القوى السياسية المختلفة، بمختلف تياراتها، حول ضرورة إلغاء محاكمة المدنيين محاكمات عسكرية، بينما الجيش يرفض ذلك.

من الذى سيحسم هذا الجدل فى النهاية؟ وما المعنى الذى سيصل للجميع حين تخرج المادة كما هى بلا تعديل أو إلغاء؟

المعنى واضح.. كل ما يحدث مسرحية، وكل من فيها لهم أدوار محددة سلفاً.

سيقول أحدهم: نحن فى حرب. نحن فى حالة استثنائية ولا نعرف ما الذى يمكن أن يحدث غداً. وأقول لهؤلاء: طيب ما انت أصلاً تحكمنا الآن بالطوارئ، وإذا كان الوضع استثنائياً فلماذا تريد فرضه فى القانون؟ وإذا كان لك من القوة والسلطة والطوارئ ما يجعلك تقبض على الناس وتعتقلهم بموجب قانون الطوارئ فى الظروف الاستثنائية الحالية، فما الذى يجعلك مُصراً على استمرار هذا الوضع لو كانت نواياك سليمة؟

الأمر نفسه يتفق مع المادة الخاصة بإلغاء حبس الصحفيين فى قضايا النشر.

هناك توافق حول تلك المادة، ودعك من النقابة المرتعشة والنقيب المقلب الذى شربه الصحفيون بالهنا والشفا. هذا حق أصيل للصحفيين الذين لا يفهم منتقدوهم أنه لا توجد على رأسهم ريشة، وأنهم يحاكمون ويحبسون فى القضايا العادية المتعلقة بسلوكهم الشخصى مثلهم مثل الجميع، فلماذا تصر على حبسهم فى قضايا النشر؟ ولماذا لا تستبدل النشر بغرامة تقطم وسط الصحفى المتجاوز هو وجريدته واللى مشغلينه بدلاً من حبسه بالمزاج والتلفيق؟

ثم إذا سمحت أخبرنى بالله عليك.. إذا كان هناك توافق من الجميع على تلك المادة، ثم خرج الدستور دون وجود هذه المادة فما معنى ذلك؟

أخيراً.. أصدقاؤنا وزملاؤنا والشخصيات العامة، وحتى من نكرههم من الموجودين فى لجنة الخمسين.. هناك شىء اسمه المبدأ.. فإن خرج الدستور الذى تسهمون فى صياغته عكس مبادئكم التى صدعتمونا بها ليل نهار فاعلموا أنكم كنتم عرائس جوانتى لا أكثر ولا أقل، يرتديكم صاحب السلطة الحقيقية، ووقتها أعتقد أنكم ستواجهون صعوبة كبيرة فى مواجهة أقرانكم الذين لن يقبلوكم، مثلما لم تقبلوا أنتم هؤلاء الذين أخطأوا من قبل.

لا تلعنوا الإخوان، ثم تكونوا مثلهم..

خصوصاً فى الدستور.

المصدر :جريدة الوطن