محمد فتحى يكتب|22

محمد-فتحي

■ الكرة عالية، والوقت الضائع بدأ، والكل يزفر فى حنق شديد، فقد ضاع الماتش، وضاعت الفرحة، لكن ربنا كبير، فى الموعد والمكان المناسب، وبتوفيق لا يتكرر كثيراً تنزل الكرة بالحركة البطيئة..

فى داخلك شخص آخر يقول: يلّا بقى.. شوط ياض.. ارزززع

ويدخل اللاعب مرمى الكاميرا، ويركل الكرة بيسراه التى لا يلعب بها، والعيون تتعلق بها وهى تتهادى ببطء على طريقة كابتن ماجد، حتى يخيل لك أنك تسمع المذيع يقول: واااااااااااااااااااهداااااااااف.

يحرزه هذا اللاعب.. 22.. أبوتريكة.

■ مديونون بكثير من فرحتنا القليلة خلال سنوات سابقة لقدم هذا اللاعب الاستثنائى الذى أثبت بمشاركته فى كل البطولات التى شارك فيها أنه لاعب فذ، على قدر المسئولية، نظلمه لو حاسبناه سياسياً على جرم لم يرتكبه، وفى اللحظة التى ينبغى إثناؤه فيها عن قرار الاعتزال، أو تكريمه تكريماً لائقاً على أقل تقدير، نرى كثيرين ينقضّون عليه لتصفية حسابات سياسية مع فصيل سياسى، لم يتأكد انتماؤه إليه، وحتى لو حدث، فلنا سلوكه، ومواقفه، وليس المشانق التى أعدها كثيرون، للاعب لا يستحق سوى كل احترام.

■ محمد محمد محمد أبوتريكة، ابن قرية ناهيا الذى يفتخر بأصوله، وحين تنشر صحيفة الوفد صورة والدته البسيطة والعظيمة فى آن واحد عقب فوز المنتخب بكأس أفريقيا قبل سنوات، يفتخر بالصورة، وبعمله فى الفاعل وهو لا يزال طفلاً.

■ هذا اللاعب الذى غيّر -مع أسماء أخرى مهمة- الفكرة السائدة عن لاعب كرة القدم المصرى، والذى كان موضوعاً فى قالب الفاشل تعليمياً، والمتجاوز أخلاقياً، ليتحول إلى اللاعب المهارى، صاحب الدور الخيرى، والالتزام الأخلاقى، هو نفسه الذى هتف الناس باسمه وحملوه على الأعناق، وهو نفسه الذى حظى باحترام زملائه، ولو كانوا فى فرق منافسة، وحصد بطولة أفريقيا وجائزة أفضل لاعب فى القارة، ولعب فى كأس أفريقيا للأندية الأبطال، وشارك فى كأس العالم للأندية، وأبدع فى كأس العالم للقارات، وتألق فى أولمبياد لندن الأخيرة، هو نفسه الذى نسى الجميع فجأة كل ذلك ليحاكموه سياسياً على ذنوب لم يرتكبها، ويجعلوه يدفع ثمن أخطاء لم يشارك فيها، ويفتشوا فى نواياه وضميره، ويسبوه ويشتموه لمجرد أنه أيد مرسى، ويشيعوا ذهابه إلى رابعة، أو تمويله للإخوان.

■ أبوتريكة من أنصار المشروع الإسلامى. كثيرون كذلك، لا سيما لو كانت نشأتهم فى ناهيا، ورهانه على مرسى كان رهاناً على شخص وجماعة ضحكت على كل مؤيديها ممن لا ينتمون لها، ورغم ذلك لم يفجر تريكة الأوضاع أبداً، لم يُضبَط يتحدث فى السياسة، أو يجاهر برأيه فى أى أحداث سياسية طوال فترة حكم مرسى، وقبلها، وبعدها، لكن الناس تريد أن تتشفى من الإخوان، ولا يجدون أمامهم سوى أبوتريكة.

■ ينسى الجميع كل شىء، وتصفى الحسابات مع من ليس لهم ناقة ولا جمل، فيخرج أراجوزات الإعلام ليسبوه بأمه ولا يتدخل أحد، ولا يرد الرجل، وتنشر فبركات للعديد من الأخبار، فلا يصححها أحد، ولا يهتم هو بالرد منعاً من إشعال أى معركة لا يريد هو الدخول فيها، ويعرض عليه الملايين أيام تألقه مع الأهلى فيرفضها حباً فى الجماهير واستجابة لرغبة ناديه الذى تسبب فى شهرته، ويظن الناس أنه أنهى ما عنده، فيتألق فى كأس القارات وما بعدها ويجرى فى مباراة البرازيل وحدها 11 كم.

■ أبوتريكة الإنسان الذى يخفى أكثر مما يظنه الناس، لأن فى خيره علاقة بينه وبين ربه وليس بينه وبين البشر، أبوتريكة الذى صار نموذجاً ومثلاً أعلى للناشئين، يصرف على بعضهم ويعاونهم فى دراستهم، وحين يحترف أهم لاعب عندنا فى مصر الآن وهو محمد صلاح، يختار أن يرتدى رقم أبوتريكة الذى يوافق رقم باب الحرم الذى كان يدخل منه أبوتريكة.. 22.

■ لم يثر تريكة الناس، فيرفع مثلاً علامة رابعة، كان قومياً حين تعاطف مع غزة، ورفض نزول الثورة فى أولها لكى لا يلفت الأنظار أو يخطف الكاميرا فيتحول لناشط سياسى، ورغم دعمه لمرسى، فلم يصرح بأى رأى سياسى بعدها ولا بعد عزله، ولم يمثل دور المناضل.

■ حين يقرر تريكة الاعتزال، كنت أظن أن الناس ستشعر بنفس الحزن الذى شعرت به عند اعتزال الخطيب الذى قال عن تريكة إنه أفضل منه بمراحل، لكن لأننا فى واقع ملتبس، وفى فترة استقطاب قذرة، ينهى تريكة مشواره بإصابة لعينة، على خلفية اتهامات مخجلة ومجحفة لن تنسينا أن تريكة هو صانع الفرحة، وأنه لاعب فذ، لن ينساه أحد.

■ شكراً 22.. شكراً تريكة اللاعب والإنسان، ولا عزاء للسياسة وألعابها القذرة فى نفوس يجب أن تبحث عن نقطة نور بدلاً من الظلام الذى تغرق فيه.

المصدر جريدة/ الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *