هذه كانت سنة صعبة بالنسبة لى على كل المستويات، الشخصية والمهنية والسياسية. ولكن لا يمكن أن تمر دون أن أتوقف أمامها بشىء مما تعلمت، وسأكتفى بالأمور العامة عسى أن تفيد ونحن نستعد لسنة جديدة أتمنى أن يجعلها الله، سبحانه وتعالى، أسعد علينا جميعا.
أولا: من يقبل منصبا عاما فى مصر خلال هذه الفترة كمن يغطس فى المجارى لتصليحها، وبعد أن يعمل الجميع على إفشاله ولعنه لأنه قبل بهذه المهمة فسيقولون له: «إف، ريحتك وحشة». إذن من ينوى أن يقبل منصبا عاما، فليعملها لله وحده لا شريك له ولا يتوقع عائدا ولا شكورا من أى من البشر.. أما من له حسابات دنيوية فهجرته لما هاجر له، ومنصبه لما قبله.
ثانيا: من ينوى أن يهتم بالعمل السياسى فعليه أن يعرف أن حقائق السياسة ديناميكية، أى متغيرة بمعدل أعلى من قدرتنا على التحكم فيها أو التنبؤ بها. ومعايير الحكم على الأشياء والأشخاص والقرارات هى بذاتها متغيرة كذلك. ومن كان يلعن دستور 1971 فى مرحلة ويرفض ترقيعه، طالب بالعودة إليه فى مرحلة لاحقة؛ ومن لعن شخصا لموقف ما أخذه عاد وتفهم موقفه. ولا ننسى أن من بيننا من وصف الرئيس السادات بالخيانة والعمالة، وها هم الآن يتمنون لو كانوا قبلوا ما عرضه عليهم آنذاك. إذن، لا تدع نفسك تصدر حكما نهائيا فى ظل بيئة لا تساعدك على تبين كافة التفاصيل، إلا إذا كنت غير ناضج وتنوى أن تعيش حياتك توزع الأحكام بلا رويّة.
ثالثا: هناك فارق جوهرى بين تسجيل المواقف وحل المشاكل. وكما أشار الدكتور فؤاد زكريا فإن واحدا من أهم أمراض العقل العربى هو سعيه الدؤوب لتسجيل المواقف وليس من أجل البحث عن الحلول العملية للمشكلات فتتفاقم المشكلات والكل يتبرأ منها ولا يسهم بنصيب فى علاج أسبابها. العقل المصرى مصاب بهذا المرض خلال هذه الفترة بشراسة تجعلنا غير قادرين على ابتكار حلول واقعية لمشاكلنا.
رابعا: «الثوار» فى بلاد العرب فعلوا كل ما استطاعوا من أجل إنجاح الثورة بالقضاء على رؤوس النظم الذين ثاروا ضدهم، وفعلوا كل ما استطاعوا أيضا من أجل إفشالها نتيجة تمزقهم، ما جعل الناس يترحمون على من كانوا قبلهم. والأسوأ أنهم يطالبون بالديمقراطية وهم يمارسون الديكتاتورية.
خامسا: الطاقة المتولدة عن الكراهية فى مصر تفوق الطاقة المتولدة عن التسامح. الطاقة المتولدة عن الخوف فى مصر تفوق الطاقة المتولدة عن الأمل. خلطة الكراهية والخوف تكتسح طاقة التسامح والأمل؛ وهى تركيبة لا ينبغى أن تستمر طويلا، وإلا أحرقنا أنفسنا بأنفسنا. ولا أعرف مجتمعا نجا من هذا المأزق إلا بقيادة حقيقية من نوعية «غاندى ومانديلا ومحمد على جناح وجورج واشنطن».
سادسا: القيادة التى لا تعرف كيف تقول لأنصارها إنهم على خطأ حين يكونون على خطأ لا تستحق أن يطلق عليها «قيادة».
سابعا: الديمقراطية من غير قيادات مستوعبة مخاطرها تتحول إلى أداة لهدم الدول وتمزيق المجتمعات.
ثامنا: من يعمل لخير مصر عليه أن يتصرف وكأنه مثل سيدنا نوح يصنع سفينة فى وسط الصحراء قد يأتى يوم يستفيد منها أناس لا نعرفهم فى معركة لا نعرفها. إذن اعملها لله وأجرك على الله.
تاسعا: لا تحاول أن تحل مشاكل مصر، حاول أن تحل مشكلة جارك الذى يحتاج إلى علاج أو زميلك الذى قد يحتاج بعضا من المال أو صديقك الذى يحتاج كلمة مواساة. أنت لست بحاجة لأن تكون رئيس وزراء مصر حتى تساعد مصر. كما أنك لست مسئولا إلا عمّا يقع فى دائرة تأثيرك.
عاشرا: ليس من المنطق فى شىء أن نحب مصر وأن نكره أهلها؛ فلنساعد أهل مصر قدر ما نستطيع.
حادى عشر: إنك قد تلقى بنفسك فى البحر بإذن الله، ولكن الله ينجيك من الغرق بإرادتك.
ثانى عشر: محاولة استخدام المنطق لعلاج مشاكل مجتمع لا يعترف بالمنطق هى محاولة غير منطقية فى حد ذاتها.
ثالث عشر: ليس لها من دون الله كاشفة.
وكل عام وحضراتكم بخير.
المصدر جريدة الوطن