مجموعة سعودي القانونية

ممدوح الشيخ يكتب | ليبرالية شعارها أقتلوا يوسف !!

عجيب أمر كثير من الليبراليين المصريين!

يخوضون معركة مثيرة للجدل ضد فصائل من الإسلاميين هم فعلاً مصابون بمرض «رفض الآخر» ثم يقفون فى الصف الأول فى معركة أكثر إثارة للجدل هدفها «التخلص من الآخر»، وهو مرض حاولت تقصِّى أسبابه فى كتابى: «ثقافة قبول الآخر»، وفيه تتبّعت ثقافة رفض الآخر تاريخياً، وهى تعود فى أصلها الحديث إلى «الثورة الفرنسية»، حيث تبلورت فيها للمرة الأولى كرؤية للذات والآخر. ويكفى الإشارة لرأى المؤرخ البريطانى المتخصص فى تاريخ الثورة الفرنسية مونرو برايس الذى مفاده أن شعارها يجب أن يكون: «حرية.. إخاء.. ووحشية»!

وفى لفتة أصابت كبد الحقيقة اعتبرت التايمز البريطانية فى تقرير قبل أيام أن مصر تمر الآن بـ«حقبة الإرهاب» من تاريخ الثورة الفرنسية، والمفارقة هنا أن أنصار إرهاب الخصوم فى الحالة المصرية «أبناء روبسبير المصريين» كثير منهم ليبراليون.

وفى كل حالات الصراع السياسى فإن المساءلة القانونية شىء والانتقام شىء آخر، لكن كثيراً ممن كانوا لسنوات يؤكدون أنهم يؤمنون بدولة القانون ويعملون لأن تكون مصر دولة قانون تحولوا إلى «فرق موسيقى عسكرية» تنشد بلا توقف «تقدموا.. تقدموا»، متناقضين بذلك مع كل ما دعوا إليه لسنوات.

والمطلوب ليس «تكريم» ما يستحق «التجريم» فهذا دور سلطات الادعاء وكذلك القضاء، لكن المطلوب ألا يتورط القلم واللسان فى دعوات لاجتثاث الخصوم -فقط لأنهم خصوم- ولا للاحتكام إلى الحل الأمنى فى مواجهة مشكلات سياسية لن يجدى معها الحل الأمنى ولو استمر لسنوات. والخلط المتعمد بين «المعلومات الأمنية» التى قد تصدق كلياً أو جزئياً وبين «الأحكام القضائية» القاطعة بـ«الإدانة» جزء من حالة حمى متفشية يؤكد المصابون بها أن كل عنف يحدث فى مصر الآن هو من عمل أشخاص بأسمائهم أو جماعات محددة، وصولاً إلى التوزيع المجانى -وأحياناً المستند لمعطيات كاذبة- لتهم الخيانة والعمالة والتموُّل و…

ومن الوسائل القديمة فى تاريخ الإنسانية لخداع النفس أن يتوهم شخص -أو أمة- أنه سيكون أفضل فقط عند التخلص من شخص أو جماعة، وقد سجّل القرآن هذا على إخوة نبى الله يوسف عندما قالوا: «اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين»، وهم بنص الآية الكريمة لم يروا هذا الفعل الإجرامى «مجرَّماً»، بل أوهموا أنفسهم بأنهم بعده سيكونون قوماً صالحين!

لكن الآية الكريمة تكشف -فى الوقت نفسه- عن أن إخوة يوسف كان لديهم قناعة بأن هذا يوفر لهم أن يتخلصوا من منافسته لهم فى حب أبيهم. وكثير من حديث الليبراليين اليوم هدفهم أن يخلو لهم «طريق السلطة». ومعارك الاغتيال المعنوى الضارية التى تضاعفت شراستها فى الإعلام المقروء والمرئى على السواء، بعد عزل محمد مرسى، وضعتنا أمام حقيقة أن مرض «التخلص من الآخر» هو فى الحقيقة «قطاع عرضى» فى عقل النخبة المصرية كلها.. لكن خيبة بعض الليبراليين كبيرة!

وقد كانت الصفحة الأكثر استحقاقاً للتقدير فى مسار منظمات حقوق الإنسان المصرية أنها قامت لسنوات بدور لا ينكره منصف فى تعرية الممارسات القمعية لأجهزة أمن مبارك، وكان ذلك فى ظل معركة حقيقية فى مواجهة الإرهاب حتى مبادرة وقف العنف فى 1997، لكنها فى المعركة الحالية تبدو كما لو كانت قد قررت القيام بدور يناقض تماماً دورها فى عهد مبارك، وفى أحيان كثيرة تتملكنى الحيرة وأتساءل: كيف يتم حساب هذه المواءمات!

وقد أصبح الخطاب التحليلى لكثير من رموز التيار الليبرالى المصرى متشابهاً إلى حد غريب مع الخطاب الفاشى فى تأليه الدولة و«تديين الوطنية» بخطاب قلبه «فاشى» وملامحه لبيرالية، فكيف يستدير الناس إلى الخلف هكذا، وكيف يقفزون من إحدى ضفّتى النهر إلى الضفة التى طالما أطلقوا عليها كل سهام الخصومة بهذه «الرشاقة»؟ إن كانت فعلاً رشاقة!

وربما تكون المشكلة فى أننى أفتقر إلى القدر الكافى من «المرونة»!

وأحد هؤلاء كان قومياً متحمساً ثم أصبح ليبرالياً، وكتب قبل 25 يناير يؤكد أن العلاقة بين حزب الوفد والإخوان يجب أن تكون «صراع وجود»، ثم نجح بأصوات الإخوان فى البرلمان الماضى، وكان فى هذه الفترة أكثر تشدداً فى الدفاع عن الجماعة من رموزها، وبعد عزل مرسى خرج علينا بنظرية مفادها أن الغرب هو من سيتعلم من تجربتنا وسيعيد تعريف الديمقراطية ليستفيد من إبداعنا الديمقراطى!

آه والله.

وقد ذكّرتنى هذه المتفرقات الكرنفالية التى يصعب أن تجتمع إلا فى نخبتنا المصرية بحقيقة أن عدداً من مؤسسى الجيل الأول من منظمات حقوق الإنسان كانوا أعضاء فى «التنظيم السرى الناصرى المسلح».. ولا تعليق!

وإذا كانت مراجعة تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية بدءاً من تسعينات القرن الماضى قد حظيت باهتمام وترحيب لهما ما يبررهما، وإذا كانت جماعة الإخوان -وكذلك حلفاؤها- فى أمسّ الحاجة إلى مراجعة الأفكار والخطاب والخيارات التنظيمية، فلا شك فى أن التيار الليبرالى المصرى هو الآن أشد حاجة للمراجعة من هؤلاء جميعاً حتى يعود إلى الاقتراب من قيمة «قبول الآخر» قبل أن يصبح الطلاق بين الطرفين «بائناً»!

المصدر : جريدة الوطن