وائل عبد الفتاح يكتب | بعد أن أصبحوا 12 فقط

وائل عبد الفتاح يكتب | بعد أن أصبحوا 12 فقط

وائل-عبد-الفتاح

يوسف موسى يوسف درويش

مكان الميلاد: القاهرة

تاريخ الميلاد: 2 أكتوبر 1910

 

المهنة: محامٍ

هذه هى بيانات جواز السفر

وهى لا تقول طبعًا إن يوسف درويش يهودى لم يغرق فى أسطورة اليهودى المضطهد أو صانع المعجزات أو الأسطورة التى لا تقهر. لم يحبس نفسه فى أصل لم يسهم فى اختياره. يتحدث عن تفاصيل ما يعرفه عن اليهودية بشكل مريح. كنت أتصور أنه سيشعر بالتوتر فى هذه المنطقة الحساسة من حياته. لكنه تكلم بشكل بسيط أدهشنى، بل وأربكنى أحيانًا، لأنه مع كل حكاية كان يقول لى: «أنا لا أعرف الكثير عن اليهود…».

أى أن الكلام معه حول فكرة اليهود هو مصاحبته فى رحلة اكتشاف شخصية.

حكى مرة بحماس: «أترجم الآن كتابًا مهمًّا جدًّا.. اسمه اليهود على ضفاف النيل (انتهى منه بالفعل وصدر عن «دار الشروق» قبل غيابه).. أعرف منه معلومات جديدة على تماما.. عرفت أن اليهود كانوا وزراء ومسؤولين من الفراعنة وحتى الآن.. عرفت أيضا أنْ كانت لهم مناصب فى الدولة المصرية.. والمفاجأة أننى لأول مرة أعرف أن السلطات فى مصر ألقت القبض على 300 يهودى بعد 1967.. إنه كتاب سيغير كثيرًا من الحقائق المستقرة عن اليهود فى مصر.. سأعطيك نسخة عندما أنتهى من ترجمته.. (لم يمنحنى نسخة لكنه كتب عن اللقاء بيننا فى افتتاحية الكتاب..)».

سألته عن المؤلف:

«صديق لى مات منذ سنوات قليلة.. يهودى مصرى هاجر إلى فرنسا.. كان يزورنى هنا فى البيت.. أهدانى كتابه فى واحدة من زياراته.. لم أهتم به فى البداية.. تصفحته.. لكننى عندما عدت إليه اكتشفت أنه كتاب مذهل.. المؤلف اسمه جاك حسون».

«ياه.. جاك حسون؟!».

صرخت بفرح أدهشه: «هل تعرفه؟!».

قلت له: «إنه بطل خلوة الغلبان».

وحكيت له عن القصة التى كتبها الأديب إبراهيم أصلان عن رجل كان يجلس بجواره فى دعوة عشاء ضمن وفد الأدباء المصريين فى باريس.. وقال له: «أنا مصرى».

وعرف أنه من قرية قريبة من المنصورة اسمها «خلوة الغلبان» الاسم أعجب إبراهيم.. وقرر أن يكتب رواية باسمها.. أخبره أن أباه طلب منه أن يأتى بحفنة تراب من مصر و ينثرها على قبره.. وفى شىء من الأسى قال، دون أن تختفى ابتسامته، إنه لم يلحق، ثم اتسعت هذه الابتسامة وهو يضيف أنه استطاع أن يلحق أمه.. عندما ماتت ونثر التراب الذى أحضره من مصر على قبرها.. حكى له عن بيت العائلة.. وعن العطفة التى ما زالت تحمل اسم عائلته «حسون» فى شامبليون.. وفجاة ضرب بيده على المائدة وانتابته حالة من الهياج الحقيقى وصاح: «مصر.. مصر الجميلة».

وملأ الكوب لإبراهيم أصلان، وقال إن «إسرائيل هى التى أفسدت كل شىء…».

«أقول لك الكلام مع أننى يهودى».

فوجئ أصلان وأصابه ما يشبه الوجل، وظل صامتًا حتى قال لأقرب أذن: «على فكرة الراجل إلى قاعد جنبى يهودى…».

كانت هذه صدمة اللقاء الأول مع يهودى حتى ولو من مصر.. صدمته جعلت إبراهيم أصلان يتهرب من جاك حسون ومن دعوته.. وبعد أن عاد إلى القاهرة ظلت الحكاية تشغل ذهنه: «كنت أشعر بشىء من الذنب وأننى مدين له بالاعتذار».

وفكر فى أنه فى أول زيارة لباريس سيبحث عنه.. هذا قبل أن يفاجأ بخبر موته بالسرطان عام 1999.. وعرف منه أنه من مواليد 1936 وأنه واحد من علماء النفس المشهورين فى باريس (عرفت من كتاب الدكتور محمد أبو الغار عن اليهود فى مصر أنه كان مهتمًّا بإنقاذ المقابر اليهودية فى البساتين).

يوسف درويش كانت له طريقة أخرى غير طريقة جاك حسون الذى هاجر مع عائلته إلى فرنسا 1954.

هو الآن مسلم لم تتغير حياته بعد انتقاله فى الأوراق الرسمية إلى دين الأغلبية. ربما كان الانتقال نوعًا من الاندماج فى مجتمع يمر بفترات هستيريا تدفعه إلى التفكير بمنطق القطيع والقبيلة الواحدة. لا يحتمل الاختلاف لا فى لون ولا دين أو تفكير.. أو حتى فى تصور للعالم غير التصور المعتمد والجاهز فى ذهن الأغلبية.

لم يهتم يوسف درويش فى حكاياته باللعب على هذا الانتقال.. وبدا أن الانتقال إجراء روتينى، لأنه فى الأول والأخير «إنسان».

هكذا قال لى عندما سألته سؤالا أراه الآن مستفزًّا: كيف ترى نفسك الآن؟ يهوديًّا؟ مسلمًا؟ أم…؟!

«أنا إنسان…».

تخيلت فى المرة الثالثة أن يوسف درويش يصرخ.

«من حكايات القاهرة»

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستورالاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *