محمد فتحى يكتب| مكتوب

محمد-فتحي

(1)

رائحة المحبة

فى مكان ما.. يوجد شخص يحبك ولا تعرف، ومع أنه يعرف أنك لا تعرف يصر على أن يحبك حتى تعرف. فى مكان ما يبحث عنك شخص لا تعرفه.. لا لشىء إلا لأنه يريدك أن تعرفه.. فى مكان ما ذكرى تسعى لأن تطاردك.. تذكرك بنفسها مهما نسيتها أو حاولت أن تتناسى.. فى مكان ما جرح قديم قابل للنزف فى أى لحظة، وفرحة تنتظر أن تفسح لها مجالاً بين أحزانك. فى مكان ما ربما تلتقون جميعاً فتحب من لا يعرفك وتعرف من يحبك دون أن يعرف أنك تعرف وستجد الشخص الذى تسعى إليه دون موعد وتفقد ذكراك ذاكرتها ويندمل الجرح بمجرد دخول الفرحة التى أتحت لها مجالاً، ووقتها ابتسم، وتذكر أن الدائرة التى تغلقها ستعيد تشكيل نفسها وستولد من جديد فى مكان آخر مع شخص آخر وبنفس التفاصيل.. وحينها، انصحه بما فعلت، وادعُه لحيث ارتحلت.

(2)

مكتوب

مكتوب ما تفعله الآن، وما ستفعله بعد ذلك، وما فعلته من قبل.

مكتوب أن تسلك طريقاً دون غيره، وتخطئ هذا الخطأ بالذات، وترتكب نفس الحماقات التى يحذرك الآخرون منها، ثم يضحكون عليك بعدها.

مكتوب أصلاً أن يضحكوا عليك وأن تغضب منهم، وألا يبالوا بمشاعرك أو غضبك الذى لا يترجم لشىء ذى أهمية وسرعان ما يرحل أو يرقد فى سلام فيتراكم ويصنع منك كارهاً لهم بعد مرور الأيام.

مكتوب أن تحب وأنت لا تعرف إلى أين ستنتهى، ومهما حاولت تغيير المسار والقرار، ستكتشف أن ما فعلته فى النهاية كان مكتوباً من قبل أن تولد.

مكتوب أن تدرك -كما أدركت أنا- فى لحظة ما لن تعود بعدها كما كنت، وستهرب منها حين تراودك، ولله المثل الأعلى، أن ربنا -سبحانه وتعالى- هو أعظم كاتب سيناريو، وأنك وغيرك من البشر تلعبون أدواركم قبل إغلاق الستار، فمنا البطل، ومنا (السنيد)، ومنا (الكومبارس)، وكله مكتوب.

مكتوب وأنت تقرأ هذا الكلام أن تفكر ما دام كل شىء مكتوبا فماذا نفعل مع تلك الرحلة التى نقطعها دون أن نعرف وجهتها ومصيرنا فى نهايتها، ومكتوب ألا تجد الإجابة، وأن تعذبك الأسئلة التى مهما تناسيتها، ومهما أقنعت نفسك بمسكنات حفظتها من الدين أو الفلسفة أو التنمية البشرية، لن تجد إجابتها، لأن ذلك أيضاً.. مكتوب.

(3)

حكيم

وكأنها كانت مهنة أو وظيفة..

كان هناك (حكيم) قال كذا وكذا، ونصح بكذا وكذا، وكأن الحكيم كان معروفاً عنه أنه كذلك فى زمانه، أو أن الناس كانت تقصده لذلك، فأين الحكيم الذى سيقول الناس بعد مئات السنين أنه كان حكيماً؟

وهل نسمعه ونصدقه ونعلم أنه كذلك بالفعل، أم لا؟

ابحثوا عن حكيم تحترمونه قبل أن تقولوا: كان لدينا (حكيم)، لكننا لم نصدقه.

(4)

عم كمال

سألنى: بتشتغل إيه يا باشا.. دكتور؟ عدلت نفسى فى سعادة على كرسى المزيّن الذى كنت أذهب إليه وأنا فى السادسة من عمرى، ونسيته ثم اكتشفته من جديد بعد الثلاثين وقلت له: حاجة زى كده. قال: إزاى يعنى.. تومرجى؟ ضحكت ولم أرد عليه لأنه عاجلنى قائلا: طب والله ما انت قايل.. أنا هاعرف لوحدى.. بعد كام مقص عن حال البلد والناس حكى لى عن زوجته التى تغسل كُلى، والتى أصيبت بالسرطان مؤخرا «افتكاره رحمة يا باشا». قال إنه يبحث عمّن يتوسط له ليأخذ علاجا على نفقة الدولة «ما تعرفش تكلم لنا حد يا بيه؟» قبل أن أرد استطرد «أنا مش ساكت والله.. عارف الراجل اللى كان رئيس التحرير بتاع الجريدة القومية اللى جنبينا دى؟ أصلى رحت أحلق له فعجبه المقص وبعد ما طلع بعت لى عربية تاخدنى عشان أحلق له ف بيته.. بيته إيه؟ ده قصر يا باشا فى التجمع الخامس.. قلت له ع الموضوع ماردّش. وأنا ماشى ادانى 100 جنيه كأنى باشحت، أو كأن الـ100 جنيه هما اللى هيخلصوا الموضوع، مع إنه كان يقدر يخلّصه بتليفون.. نعيماً يا باشا».. وأنا أنصرف قال لى: انت صحفى مش كده؟ أومأت برأسى إيجابا.. أعطيت له رقم زميل يعمل على الملف وقلت له إنه محترم وسيساعده ولو حدث شىء كلمنى، ثم أعطيته رقمى.. اطمأننت حين لم يتصل بى، وفى المرة التالية ذهبت فلم أجده.. سألت عنه فأخبرونى أنه فى عزاء الست بتاعته.

المصدر جريدة الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *