أيمن الجندى يكتب | قنابل موقوتة
12 يونيو، 2014
أقلام حرة, رول الأخبار
83 زيارة
أيمن الجندى يكتب | قنابل موقوتة
كل شىء يحيط بالدكتور وجيه كان غريبا ويتسم بالغموض. أسلوبه! هيئته! ملامح وجهه! نظرات عينيه التى تفيض بالسخرية والازدراء. زبائن عيادة الدكتور وجيه من الطبقة المخملية، المغلقة على أعضائها، يعيشون فى كوكب آخر، لا يتخيل وجوده سكان الأرض. طعامهم مختلف! اهتماماتهم مختلفة! لكن يضطرون إلى ارتياد كوكب الأرض عندما يذهبون إلى الدكتور وجيه.
الدكتور وجيه جراح تجميل بارع، لكن يعيبه غموضه وغرابه أطواره. يتهامسون أنه شيوعى وربما مجنون! لماذا يرتدى الثياب البسيطة؟ ويفتح عيادته فى حى شعبى؟ ويعامل زبائنه من الطبقة المخملية بازدراء شديد؟ ولماذا يجعلهم ينتظرون بالساعات ثم يطردهم فى فظاظة؟ لماذا يهملهم ويسىء معاملتهم عالما أنهم سيعودون إليه صاغرين. لا أحد يدرى سر لمسته السحرية حين تعزف أصابعه الأنيقة على وجوههم التى أنهكها السهر والخمور! ما هى التعويذة التى يتلوها ليستعيد بكارة الوجه الحالم ويحول التجاعيد إلى تفاحة ناعمة؟
كانوا يجلونه ويكرهونه! يلعنونه ويذهبون إليه صاغرين! على أن أحوال الذين خضعوا لجراحته كانت مثيرة للانتباه! كانت وجوههم بمثابة طوابع بريد تشير إلى شخصية المرسل! لكن تنتابهم العزلة ومشاعر الاكتئاب. بعدها تتغير أحوالهم تماما، وكأنه بث فيهم روحا جديدة تشركهم فى هموم البسطاء.
كان السيد شاهر يعرف طباع الدكتور وجيه. وتحمل على مضض معاملته الرديئة. وبالفعل تمت الجراحة على أفضل وجه. لكن النظرة الساخرة لم تذهب من الدكتور وجيه. قال له بلهجة تفيض استهزاء: «والآن وقد حصلت على الوجه الناعم الذى أردته أريدك أن تعلم أننى وضعت كبسولة فى جسدك».
لوهلة لم يستوعب السيد شاهر ما سمع. وارتسمت على ملامح وجهه علامات الاستفهام. استطرد قائلا: «كبسولة تحتوى على مواد متفجرة دسستها فى جسدك العزيز». ارتج عليه وتساءل: «لماذا؟».
قال الدكتور وجيه ببساطة: «لا يوجد سبب. راق لى أن أفعل هذا». أحس السيد شاهر بالذهول: «هل أنت مجنون؟ وهل تظن أنك ستنجو بما فعلته». قال الدكتور وجيه: «سأنجو بالتأكيد. لن تستطيع أن تعرف مكانها. ولو عرفت لن تستطيع استخراجها لأنها ستنفجر على الفور. أنت تحت رحمتى بالكامل».
أحس السيد شاهر أنه فى كابوس! المشكلة أن هذا المأفون مجنون ويفعلها. يدرك ذلك من نظراته. استطرد قائلا فى استمتاع: «إننى فخور بهذه الكبسولة فهى من اختراعى بالكامل! تستطيع أن تعتبرها قنبلة موقوتة أستطيع أن أفجرها فى أى لحظة. لذلك فليس من مصلحتك أن أغضب أو أموت».
«وأمانة الطبيب؟ وشرف القسم؟». قال الدكتور وجيه فى ازدراء: «لا تتذكرون هذه الأشياء إلا وقتما تتهدد مصالحكم».
قال فى رعب: «متى ستفجر القنبلة؟». قال فى صدق: «لا أدرى! ربما أفجرها فور انصرافك! وربما لا أفجرها أبدا». قال باكيا: وكيف أعيش بعد الذى عرفته؟« رد فى دهشة:» ألسنا نعيش وفى داخلنا قنبلة موقوته اسمها القدر! اسمها المصير! ألا تعرف أن الموت كامن داخلك! لا تدرى متى ينطلق! ألست موقنا أنك ستموت!».
خرج السيد شاهر وكأنه يعرف أنه سيموت لأول مرة. وأمام عينيه بدأت الأمور تتضح. الآن يفهم لماذا تغيرت أحوال كل من خضعوا للجراحة؟ الآن يدرك لماذا اندمجوا بعدها فى حياة البسطاء! كان درسا قاسيا. لكنه لن يعرف أبدا مع هذا الثعلب هل هو صادق أم كاذب! المؤكد أن حياته تغيرت للأبد، ولن تعود إلى سابق عهدها.