بغض النظر عن موعد الانتخابات البرلمانية وهل ستسبق انتخابات الرئاسة أم ستتلوها أم ستجريان معاً فى يوم واحد، فإن الاستقرار على نظام انتخابى واضح ودستورى لها هو اليوم القضية الأولى بالاهتمام. والشرط الآخر الأهم للنظام الانتخابى للبرلمان القادم هو أن يضع فى اعتباره أننا أمام موجة ثانية من الثورة يجب أن تؤدى الانتخابات التى ستتم وفقه إلى تحقيق أهدافها، وتعبر عبر الصناديق عن عشرات الملايين من المصريين الذين قاموا بها بعد أن خرجوا فى ميادين البلاد وشوارعها.
النظام الانتخابى الجديد يجب أن يضع فى اعتباره أمرين فى نفس الوقت: الأول أن يتلاءم مع الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى الحالى بكل تفاصيله، والثانى أن يدفع بالبلاد وبالمواطنين إلى مزيد من التسييس والفرز بين المتنافسين على أساس سياسى. ويعنى هذا بصورة مباشرة أن الأخذ بالنظام الفردى فى الدوائر الصغيرة القديمة يمكن له أن يحقق الاعتبار الأول، ويتلاءم مع ما تعود عليه المصريون طويلاً، ويراعى الضعف الواضح فى أداء الأحزاب والقوى السياسية. إلا أن الاقتصار على النظام الفردى يعنى أننا لانزال بعد ثورتنا بموجتيها «محلك سر»، وأن لا شىء تغير فى مصر وكأننا نجرى الانتخابات فى عام 1995 أو عام 2005. كذلك فالأخذ بنظام القوائم وحده يعنى التغافل عن الواقع الاجتماعى المصرى القائم فى بعض جوانبه على العلاقات الفردية المباشرة والمصالح الخاصة للأفراد أو الفئات المختلفة فى مناطق سكنهم، وأيضاً عن الضعف المعروف للأحزاب والعمل السياسى بصفة عامة.
بهذا يكون الدمج بين النظام الفردى بدوائره القديمة ونظام القوائم، بصورة تدفع السياسة والفرز على أساسها بين المرشحين، هو الحل الوحيد الذى يجب الأخذ به للنظام الانتخابى القادم. والشكل المقترح للقائمة هذه المرة مختلف تماماً عن أشكالها السابقة التى كانت تقوم على دوائر متسعة تشمل محافظة كاملة أو أجزاءً كبيرة من المحافظات الواسعة. الشكل المقترح هو أن يخصص ثلث مقاعد المجلس، أى نحو 150 مقعداً، للترشيح عليها لقائمة واحدة على مستوى الجمهورية كلها يباح تشكيلها للحزبيين وحدهم أو المستقلين وحدهم أو لخليط من الاثنين. وما يجمع كل قائمة هو اسم وشعار لها وبرنامج حد أدنى بين المشاركين فيها، على أن يحتفظ كل منهم بصفته السياسية، ويلتزم فقط بتبنى وتطبيق الحد الأدنى المتوافق حوله.
وميزة هذه القوائم أنها ستحدد عبر المشاركين فيها وشعارها واسمها وبرنامجها أمام الناخبين توجهاتها السياسية العامة ومواقفها من القضايا والتغييرات الرئيسية فى البلاد، أى أنها ستكون أداة مباشرة للفرز على أساس سياسى بين القوائم المتنافسة، وتضع أمام الناخبين الاختيار الواضح عبر التصويت لإحداها للانحياز لتوجه سياسى عام دون التباس تدخلهم فيه القوائم فى دوائر المحافظات التى تغيب عنها السياسة تماماً وتتحول فقط لـ«تربيطات» انتخابية. كما أن ميزة القائمة على مستوى الجمهورية، بصبغتها السياسية الواضحة مع النظام الفردى، أنها تعطى المواطنين، خاصة فى المناطق الريفية، الفرصة للتصويت عبر روابطهم الاجتماعية ومصالحهم المباشرة لمن يريدون فى النظام الفردى، بينما يستطيعون بالتصويت لقائمة ذات طابع سياسى أن يعبروا عن توجهاتهم السياسية العامة إزاء ما يجرى فى بلادهم.
الأخذ بنظام القائمة الواحدة على مستوى الجمهورية مع النظام الفردى سيدفع بالسياسة والاهتمام بها والتصويت عبرها إلى مسافة بعيدة للأمام فى مسار الثورة، وسيضع المواطنين أمام اختيارات لن يمكن إخفاؤها كما يحدث فى نظام القوائم الصغيرة أو الفردى، فهكذا مثلاً سيكون الحال إذا ما تخيلنا قائمة موحدة لقوى الثورة بموجتيها تحت مسمى «قائمة ثورة 25-30»، فى مواجهة قوائم أخرى لن يستطيع أصحابها إخفاء هويتهم السياسية ولا مواقفهم العملية أمام جمهور الناخبين. وعلينا حينئذ أن نتخيل النتائج وتأثيرها على المسار الديمقراطى والثورى فى البلاد.
المصدر: المصرى اليوم