فهمى هويدى يكتب| ما بعد اتفاق الشيطان الأكبر مع الولى الفقيه
26 نوفمبر، 2013
أقلام حرة, رول الأخبار
89 زيارة
تصالح الشيطان الأكبر مع الولى الفقيه يعد أحدث انقلاب فى الشرق الأوسط حيث إنه يفرض علينا توازنات جديدة وخريطة سياسية جديدة، لا دور للعرب فيها ونرجو ألا يدفعوا ثمنا لها.
(1)
أتحدث عن الاتفاق الذى وقعه فى جنيف ممثلو الدول الخمس الكبرى والاتحاد الأوروبى مع إيران فى أعقاب التصالح الذى تم سرا بين واشنطن وطهران بعد مضى 34 سنة على القطيعة والخصام بين الطرفين. ذلك أننا لم نعرف إلا هذا الأسبوع فقط أن التواصل بين الخصمين مستمر منذ ثمانية أشهر تقريبا. وأنه أحيط بستار كثيف من السرية حجبته عن أقرب الأقربين، كما أنه خضع للتمويه وعمليات الخداع، التى جعلت الاجتماعات تعقد فى سلطنة عمان، وفى بعضها كانت الوفود تدخل من الأبواب الخلفية للفنادق، وتستخدم المصاعد المخصصة لخدمات الغرف، كى لا تلفت أنظار الصحفيين والنزلاء.
وكالة أسوشيتدبرس للأنباء بثت يوم السبت الماضى 23 نوفمبر تقريرا مستفيضا روت فيه قصة الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران، ذكرت فيه أنها بدأت فى شهر مارس من العام الحالى، أثناء وجود الرئيس أحمدى نجاد فى السلطة وقبل انتخاب الرئيس حسن روحانى فى شهر أغسطس. (وكالة رويترز ذكرت أن المبادرة كانت من جانب وزير الخارجية السابق على أكبر صالحى التى أيدها السيد على خامنئى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية).
وقد لعب السلطان قابوس دور الوسيط الذى ساعد على تواصل الطرفين. ذكر التقرير أيضا أن المباحثات التى بدأت فى شهر مارس نشطت بعد انتخاب الرئيس حسن روحانى فى شهر أغسطس. وهو ما مهد الطرفين للاتصال الهاتفى المباشر الذى تم بين الرئيسين الأمريكى والإيرانى فى أواخر شهر سبتمبر، حين كان روحانى يرأس وفد بلاده لدى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
اخفت الإدارة الأمريكية نبأ الاتصالات عن حلفائها، رغم تعهدها فى السابق بإطلاعهم على أى محادثات تجريها مع إيران. وكان أول الحلفاء الذين احيطوا علما بالأمر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى اجتمع بالرئيس الأمريكى فى 30 سبتمبر الماضى. وهو ما أثار ذلك غضبه ودفعه إلى مهاجمة إيران بشدة فى كلمته أمام الجمعية العامة فى اليوم التالى ووصف الرئيس روحانى بأنه «ذئب فى ثياب حمل»، وقال إن الاتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووى يمكن أن يعد صفقة القرن بالنسبة للإيرانيين.
أصداء الاتفاق فى إسرائيل كانت الأشد حدة والأكثر صخبا. فقد وصفه نتنياهو فى بداية الجلسة الأسبوعية لحكومته صباح يوم الأحد (24/11) بأنه «خطأ تاريخى أصبح العالم فى ظله أشد خطرا». وحذر من أن يؤدى رفع العقوبات الجزئى عن إيران إلى تشجيعها على استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم فى الوقت الذى تراه مناسبا. فى الوقت ذاته، كشف وزير الشئون الاستخبارية يوفال شطينتس النقاب عن أن إسرائيل نجحت فى تعديل مسودة الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران قبل ساعات من إنجازه. من ناحيته قال وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان أنه يتوجب على إسرائيل أن تبحث عن حلفاء جدد بناء على مصالح مشتركة، تقوم على «مبدأ خذ وهات». وأشار فى هذا الصدد إلى أهمية التعامل مع الدول الغنية فى العالم الإسلامى المعنية بالاستفادة من الخبرة الإسرائيلية فى مجال التقنيات المتقدمة والزراعة.
أثار الانتباه فى هذا الصدد كلام وزير الشئون الاستخبارية الإسرائيلى يوفال شطينتس للإذاعة العبرية يوم الأحد الذى قال فيه إن هناك التقاء مصالح واضحا بين إسرائيل ودول الخليج الراغبة فى منع إيران من امتلاك السلاح النووى. وتحدث عن أهمية البحث عن وسائل للتنسيق مع تلك الدول من أجل بناء تحالف واسع لمواجهة الخطر الإيرانى.
وكان كل من مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق البروفيسور ألون ليفين والباحث يوفال بوسموت قد دعيا فى مقال مشترك نشرته مجلة «سيكور» البحثية فى عدد شهر نوفمبر إلى وجوب توظيف مخاوف بعض دول الخليج من مخاطر المشروع النووى الإيرانى فى تحقيق مصالح إسرائيل الاستراتيجية.
(2)
الخبراء الإيرانيون الذين تحدثت إليهم فى الموضوع خلال اليومين الماضيين قالوا ما يلى:
• إن الاتفاق اعترف بإيران كقوة إقليمية نووية لها الحق فى تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية فى حدود متفق عليها.
• إن الاتفاق تم بأسرع مما توقعوا، لإدراكهم أن الضغوط الإسرائيلية والفرنسية لعرقلته كانت شديدة، وأن تلك الضغوط مارستها بعض الدول الخليجية من خلال بعض جماعات الضغط التى تمولها فى واشنطن.
• إن الولايات المتحدة وازنت بين التهديدات الإسرائيلية التى لوحت فيها بأنها ستقوم من جانبها بعمل عسكرى ضد إيران بدعوى حماية أمنها القومى، وبين ما يمكن أن تجنيه من فوائد جراء اتفاقها مع إيران، وأدركت خلال جولات المفاوضات الخمس أن كفة الفوائد الأخيرة أرجح، وهو ما حسم حين التقى فى جنيف أخيرا وزيرا الخارجية لكل من الولايات المتحدة وإيران. وكان للسيدة كاترين آشتون مفوضة الاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية دورها الإيجابى فى إنجاح ذلك اللقاء.
• إن التفاهمات الإيرانية الأمريكية تجاوزت حدود البرنانج النووى وتخفيف العقوبات الاقتصادية، ولكن العنصر الحاسم فيها كان الاتفاق على اشتراك إيران فى مكافحة الإرهاب فى سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان.
• إن الاتفاق على تخفيف الحظر يمكن إيران من استرداد أكثر من سبعة مليارات من الولايات المتحدة مجمدة لدى البنوك العالمية، ولكن التخفيف بدأ بالإفراج عن الأموال المجمدة فى البنوك الآسيوية دون الغربية (فى كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا). وهذه قيمتها تتجاوز مليارا ونصف المليار من الدولارات، وقد سارعت إيران إلى استخدام تلك الأموال فى استيراد بعض احتياجاتها فور توقيع الاتفاق، أى بعد الساعة الرابعة صباح يوم الأحد.
• إن بعض الشركات الغربية الكبرى التى أسهمت فى المقاطعة طوال العقود الثلاثة الماضية بدأت اتصالاتها للعودة إلى العمل مرة أخرى فى إيران، وكانت شركة شل العاملة فى مجال استثمارات حقول النفط واحدة من أهم تلك الشركات.
(3)
منذ قامت الثورة الإسلامية فى عام 1979 واعتمدت طهران شعار «الموت لأمريكا» ــ (مرك بر أمريكا) جرت هندسة منطقة الشرق الأوسط بحيث وقفت أغلب دوله فى صف مخاصمة إيران، وكانت مصر والسعودية فى مقدمة تلك الدول. وكثفت الولايات المتحدة من وجودها العسكرى فى منطقة الخليج التى سارعت دولها إلى الاحتماء بالغطاء الأمريكى، وانفتح ملف الجزر الثلاث التى اتهمت دولة الإمارات إيران بالاستيلاء عليها. وفى الوقت ذاته ارتفعت بعض الأصوات محذرة من الأطماع الفارسية تارة ومن المد أو الهلال الشيعى تارة أخرى. وظلت إيران التى تحدَّت الجميع شوكة فى حلق المنظومة الغربية وإسرائيل بوجه أخص. وكان عداء الأخيرة أكبر، حيث اعتبرت الثورة الإسلامية تهديدا وجوديا لها. سواء جراء تمردها على الإرادة الغربية أو دعمها للمقاومة الفلسطينية. وكان البرنامج النووى الإيرانى أخطر تلك العوامل. وخلال تلك السنوات التى ناهزت الثلاثين تمت شيطنة إيران فى الخطاب السياسى والإعلامى العربى، بحيث اعتبرت خطرا على العالم العربى معادلا للخطر الإسرائيلى. ولم تخل الأجواء من كتابات نشرتها الصحف ادعت أن إيران هى الأخطر. وكانت الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت ثمانى سنوات إحدى ذرائع درء ذلك الخطر. بالتوازى مع ذلك فإن واشنطن اعتبرت إيران من الدول الراعية للإرهاب، وقد ذكر موقع الخارجية الأمريكية أنه فى يوم توقيع الاتفاق كانت إيران قد أمضت عشرة آلاف و902 يوم (29 سنة وعشرة أشهر وخمسة أيام) وهى مدرجة ضمن تلك القائمة السوداء.
(4)
هذا المعمار كله بصدد التغير، خصوصا إذا ما تم توقيع الاتفاق النهائى بعد سنة. (ما تم اتفاق إطار مدته ستة أشهر). وهو ما تحاول أطراف عدة عرقلته، وأعنى الأطراف الأمريكية المتعاطفة مع إسرائيل (الجمهوريين وبعض مراكز الأبحاث) ومعها ضغوط خليجية تمارس فى ذات الاتجاه. رغم أن ثمة مصالح اقتصادية كبيرة فى الولايات المتحدة حبذت الاتفاق، واعتبرته بابا يمكنها من الدخول إلى إيران واهتبال فرصة الاستثمار فيها بعد طول غياب. وإذا جاز لنا أن نرصد معالم الصورة فى أعقاب توقيع الاتفاق، فبوسعنا أن نوجز أهم معالمه فيما يلى:
• بدا من ملابسات الاتفاق ان محورا جديدا تحت التشكل فى المنطقة قوامه التحالف الإيرانى الروسى الذى برز دوره فى الصفقة الأخيرة، وكانت له بوادره فى وقف الحملة العسكرية ضد سوريا.
• أصبحت الولايات المتحدة تعتمد فى ضمان استقرار المنطقة على إيران وتركيا، وبعدما خرجت مصر من دائرة التأثير فى العالم العربى منذ عصر مبارك وأدى عدم الاستقرار الذى تشهده حاليا إلى سحب رصيد أهميتها فى المنطقة. فإيران موجودة على الأرض فى سوريا والعراق ولبنان وبدرجة أو أخرى فى شمال اليمن حيث الحديث متواتر عن دعمها للحوثيين. وتركيا لها دورها فى سوريا والعراق وفى منطقة القوقاز بوسط آسيا، فضلا عن حضورها الاقتصادى المهم فى العديد من الأقطار العربية.
• إسرائيل ستكون مستفيدة أيضا، لأن الكيماوى السورى والنووى الإيرانى ظلا مصدرين لقلقها طوال السنوات الماضية. وقد تم تفكيك وإغلاق ملف الملف السورى بالاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن. وها هو اتفاق جنيف يطمئنها نسبيا لأنه يضع قيودا على النووى الإيرانى، رغم أنها كانت ولاتزال تطمح إلى إيقافه وتفكيكه تماما كما حدث مع الكيماوى.
• أسهم إيران فى المنطقة العربية خصوصا فى الخليج سوف ترتفع. وسوف ينعكس ذلك على سوريا والعراق ولبنان. وسيكون الخليج فى موقف أضعف نسبيا فى مواجهة طهران، خصوصا أن بعض دوله دأبت على الاستقواء بالولايات المتحدة فى مواجهتها. ينسحب ذلك على السياسة السعودية التى سبق أن خسرت رهانها على الدور الأمريكى فى قصف سوريا، وعلى تعزيز اصطفاف مجتمعات أهل السنة فى مواجهة إيران.
• لاتزال هناك أسئلة مثارة حول مصير الحرب الطائفية بين السنة والشيعة فى العالم العربى، وموقف إيران من دعم المقاومة الإسلامية فى فلسطين ولبنان، ومستقبل العلاقات الراهنة بين القاهرة وطهران.
خلاصة الخلاصة أنه فى معادلة موازين القوى الجديدة بالعالم العربى فإن إيران تصدرت قائمة الفائزين، لكن العرب لم يرد لهم ذكر.