مجموعة سعودي القانونية

فهمي هويدي يكتب | من السعيد إلى «المنسى»

فهمي هويدي يكتب | من السعيد إلى «المنسى»

فهمى-هويدى

اليمن يذوب وينفرط ويتجه إلى تكرار نموذج الصومال، والعالم العربى يقف متفرجا وذاهلا، أمس الأول استولى الحوثيون على الحديِّدة المطلة على البحر الأحمر، بعدما تمكنوا من صنعاء وقبلها أحكموا سيطرتهم على صعدة بالكامل واستولوا على محافظة عمران. وذهبت طلائعهم إلى تعز.

وفى الوقت الذى يستكملون فيه الاستيلاء على المحافظات الشمالية، فإن عناصر الحراك تمسكت بالدعوة لانفصال الجنوب، وذكرت الأنباء أنهم أملهوا الشماليين شهرا ونصف الشهر لمغادرة «أراضيهم»، فى تمهيد لإزالة آثار عشرين عاما من الوحدة بين صنعاء وعدن.

إلى جانب تمدد الحوثيين فإنهم شرعوا فى الاستيلاء على مخازن أسلحة الجيش ونقلها إلى معقلهم فى صعدة، ونشروا رجالهم للتحكم فى مختلف المواقع الأساسية والمرافق بالعاصمة. ومن ثم لم يلتزموا باتفاق السلم والمصالحة الذى دعا إلى انسحابهم من صنعاء بعد الاتفاق على تسمية رئيس الحكومة. ومن الناحية العملية، فإن ممثلهم فى المجلس الاستشارى الذى تشكل إلى جانب رئيس الجمهورية أصبح «المندوب السامى» الذى يملك حق «الفيتو» على قرارات الرئيس ومستشاريه والحكومة، باعتبار انه يمثل مركز القوة الأكبر فى الساحة اليمنية، فى الوقت الراهن على الأقل، وفى هذا السياق فإن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثى أصدر قرارا بتعيين محافظ جديد للحديدة بعد استسلامها.

الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، إذ فى حين يتمدد الحوثيون ويبسطون سلطانهم على اليمن مؤيدين فى ذلك من الرئيس السابق على عبدالله صالح وأعوانه، فإن بوادر مقاومة ذلك التمدد لاحت على الجانب الآخر. فمن ناحية، أصدرت أحزاب «اللقاء المشترك» بيانا طالبت فيه الحوثيين برفع المظاهر المسلحة وإشاعة أجواء الطمأنينة فى أوساط المواطنين ووقف الانتهاكات المختلفة للمنازل والمؤسسات العامة، ومعروف ان أحزاب «اللقاء» تضم التجمع اليمن للإصلاح والحزب الاشتراكى اليمنى إلى جانب 4 أحزاب أخرى، ومن ناحية أخرى، خرجت المظاهرات فى شوارع صنعاء مطالبة بإخراج الحوثيين من العاصمة.

وتحدثت بعض التقارير الصحفية عن زحف بعض قبائل «مذحج» باتجاه مأرب والجوف وذمار، وعن اجتماعات عقدها شيوخ وأعيان تلك القبائل للتصدى لتقدم الحوثيين. وعلى صعيد آخر تناقلت وكالات الأنباء بيانات أصدرها تنظيم القاعدة المتمركز فى مناطق الجنوب توعد فيها الحوثيين بمزيد من العمليات الانتحارية، بعدما أدت أحدثها إلى وقوع تفجير كبير فى صنعاء راح ضحيته نحو 30 شخصا من رجالهم.

بشكل موازٍ فإن ارتفاع صوت دعاة الانفصال عاليا أيقظ النوازع الجهوية والقبلية الكامنة والراسخة فى المجتمع اليمنى، وللقبائل حضورها القوى فى الشمال. كما لم يندثر بعد بقايا السلطنات والمشيخات القديمة، التى كانت قائمة فى الجنوب حتى ستينيات القرن الماضى. وبسبب من ذلك فإن توزيع الحصص فى التشكيلة الحكومية الجديدة صار أحد التحديات التى لن يتم تجاوزها بسهولة.

الشاهد أن اليمن يقف الآن على أبواب مرحلة من عدم الاستقرار، التى يخشى ان تدخل البلد فى دوامة الصراع المسلح، بحيث تتحول صنعاء إلى بغداد أخرى، وكل اليمن إلى صومال آخر. إذ ليست معلومة الأهداف الحقيقية للحوثيين، خصوصا فى ظل تمددهم المستمر ونقلهم أسلحة الجيش إلى معقلهم فى الشمال.

كما ان احتشاد القبائل الرافضة لهيمنة الحوثيين لا تعرف وجهته. وذلك ينطبق أيضا على موقف أحزاب اللقاء المشترك، ومخططات تنظيم القاعدة وإذا أضفنا إلى ذلك سيناريو انفصال الجنوب فإننا لن نبالغ كثيرا إذا قلنا ان اليمن ذاهب إلى مجهول. وأنه إذا كان قد عانى فى السابق من وضع سيئ تمثل فى ضعف السلطة وانتشار الفساد، فإنه دخل إلى وضع أسوأ. والأول كان يهدد عافية الجسم اليمنى وقدرته على الأداء، فإن الثانى يهدد وجود الجسم ذاته ويكاد يدخله فى طور التحلل والفوضى.

تقلقنا فى المشهد أربعة أمور. الأول ان تستسلم صنعاء أو تسلم بتلك السهولة المذهلة التى حدثت فى 21 سبتمبر. الثانى ألا ترى فى اليمن قيادة يمكن أن ينعقد الاجماع من حولها لإخراج البلد من أزمته، الأمر الذى أدى لأن أصبح عبدالملك الحوثى ــ زعيم الجماعة ــ هو الشخصية الأقوى فى الساحة. الثالث ان يغيب العالم العربى تماما عن المشهد ولا يكاد يرى له أى دور. الرابع يكون مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بنعمر هو الشخصية الأبرز التى تقوم بالدور السياسى فى العلن، فى حين يصبح السفير الأمريكى هو اللاعب السياسى الأهم وراء الكواليس.

ثمة علامات استفهام حول دور السعودية فى المشهد، وهى الدولة التى يعتبر ما يحدث فى اليمن وثيق الصلة بأمنها القومى. ولم يعرف فى أى وقت ان ابتعدت الرياض عن مجريات الأمور فى اليمن، سواء من خلال مواقف معلنة أو غير معلنة. صحيح أن الصحافة السعودية اهتمت أخيرا بتحركات شيوخ القبائل اليمنية وأبرزت احتشادهم وتحركهم لصد تغول الحوثيين، إلا أن ذلك يظل مؤشرا على ان المملكة تتحرك من خلال علاقاتها الوثيقة مع القبائل، لكننا لانزال نفتقد موقفا رسميا معلنا من الرياض. قد يقال فى هذا الصدد إن السعودية مطمئنة إلى أن الوضع فى اليمن لن يخرج عن سيطرتها فى كل الأحوال، ولذلك فإن الرياض تعطى الأولوية فى الوقت الراهن لمواجهة تمدد تنظيم «داعش» الذى يقترب من حدودها، لكن ذلك يظل مجرد استنتاج، لا يلغى حقيقة ان العالم العربى كله أدار ظهره للحاصل فى اليمن، وصار منشغلا بداعش ومعركتها للسيطرة على كوبانى. حتى الجامعة العربية لم ترسل مبعوثا لها لا لإصلاح ذات البين بين الفرقاء ولكن لمجرد فهم الموقف وتقصى حقائقه على الطبيعة. وهى التى سبق لها أن فتحت مكتبين فى الصومال وجنوب السودان للغرض ذاته، لكنها ضنَّت بذلك على اليمن.

فى غياب القيادة وفى الفراغ المهيمن، فإن العواصف ستظل تهب على اليمن من كل صوب، مستهدفة حلم البلد الذى كان يوصف بالسعيد يوما ما، ثم جار عليه الزمن وانفض من حوله الأشقاء حتى أصبح اليمن «المنسى»، وصار نموذجا لتدهور الوضع العربى وافتقاده للبوصلة والقيادة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق