محمد فتحى يكتب | بعلم الوصول إلى موت منتظر عزيزى الموت.. كيف حالك؟؟

محمد فتحى يكتب | بعلم الوصول إلى موت منتظر عزيزى الموت.. كيف حالك؟؟

محمد-فتحي

أرى أنك بخير، كلما تقابلنا معاً فى مكان ما، أو مناسبة مشتركة، تبتسم لى وتلوح من بعيد، وكأنك تذكّرنى بأنك مقبل فى لحظة ما لتحتضننى، وتأخذنى معك إلى رحلتى الأخيرة التى لم يحن موعدها بعد.

كنت تلقى علىّ السلام، وتولينى ظهرك، حتى حين، وأتابعك فى ذهول وخوف.. وألم.

تصطحب معك الأحباب والأنقياء والمخلصين، وتترك معنا هؤلاء الذين نسأل: لماذا لم يموتوا بعد؟؟ لماذا لم تأخذهم معك وتترك لنا من نحب؟؟

أنت تترك فقط بصماتك فى المكان، حين تنفذ مهمتك القدرية، فلا يبقى من أثرها سوى صراخ وحزن، نظن دائماً أنه لن ينتهى، لكنه، لرحمة الله بنا، ينتهى، رغماً عنك.

منذ فترة، يا عزيزى الموت، وأنا لا أفهمك، وأشعر أنك تلهو معى.

منذ فترة تقترب فجأة حتى التماس، فأراك، وأشعر بأنفاسك، وأستعد للحظتى الأخيرة، ثم تبتعد وأنت تضحك، ربما بسخرية، ربما بشماتة، ربما بفرح، لكن الأكيد أنك تضحك.

أنا أعرف أن نفسى ستذوقك، وأنك ستدركنى ولو كنتُ فى بروج مشيدة.

لكن.. لماذا لا تفعل ذلك بشياكة، وجنتلة؟

أنا أعرف أننى يجب ألا أطلب ذلك منك، فأنت مجرد منفذ، لكنى أثق فى رحمة ربى، وأدعوه بحسن الخاتمة، إلا أننى أراك مع الآخرين، مباغتاً، قاسياً، أو متسللاً فى بطء مقيت، وكأنك تسعد بما تفعله، والكل ينظر إليك وأنت تقترب، ولا أحد منا يستطيع منعك، ولا أحد يستطيع أن يؤجل موعدك قليلاً. لكن لنتفق على شىء، لأنك أصبحت دائم اللهو معى، ومع أحبابى، فى الأيام الأخيرة.

لنتفق على شىء أحببت أن أشارك فيه الجميع معى لكى يشهدوا على ذلك.. أنا لا أخافك، ولا أمقتك، وأعرف أنك عصىّ على الترويض، لكننى بالفعل لم أعد أخشاك.

أعرف أن أجلى بيد الله، وأنه -سبحانه- لن يضيع أحبابى من بعدى، فالحياة دائماً تستمر، وأحزن فقط لأننى سأكون سبباً فى بكاء أو ألم لكثير منهم.

لكن لا أخافك..

أنت طريقى للقاء الله، وأنا أحب لقاء الله، ومن أحب الله أحب الله لقاءه.

يا موت.. فقط.. لا تأتِ من الخلف.

ولا تلهو مع من أحب بهذه الطريقة.

ولا تطعنّى -أرجوك- من الخلف، فأنا مثل أوسكار وايلد أرى أن الصديق الوفى هو ذلك الذى يطعنك من الأمام، وسأكون سعيداً إذا كنت صديقاً وفياً. لن أطلب أن تمهلنى وقتاً لأستعد، فاللى ذاكر ذاكر، واللى استعد استعد، وربنا عند ظن عبده به، وأنا ظنى بالله خير، كما أننى، وفى وقت ما، أعرف أنك يا موت.. ستموت، ولن يعود لك وجود، وسنحيا بدونك يوم لا ظل إلا ظل الله عز وجل.

يا موت.. حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات فى حضن زوجته السيدة عائشة، فمرحباً بك فى وقت كهذا، ومرحباً بك وأنا ساجد أصلى لربى، ومرحباً بك فى لحظة سعادة وفخر، ومرحباً بك وأنا فى أتم صحة، ولتبتعد حين ترانى مريضاً، فليس من النبل أن تأتينى لحظة ضعفى.

تعال يا موت وقت الشهادة، ولا تأتِ وقت البلادة.

تعال فى لحظة عيد، ولا تأتِ فى مصيبة الآخرين، لتجعلهم أشد حزناً على ما فات، ولتكفّ عما تتركه لهم من ألم.

يا موت..

تعرف أن حزنى على من أحب أكثر قسوة منك أنت شخصياً، فتأخذ أغلب من أحبهم، فمتى تفهم أننى وكل الذين أحبهم سنذهب، كما ستذهب أنت أيضاً.

يا موت..

عشرتنا طويلة، وعمرك قصير بالنسبة للخالق عز وجل، فكن ودوداً معى ومع أحبتى، ولا تكن حقاً نكرهه، بل مصيراً ننتظره بإيمان.

هذه رسالة أولى إليك، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، فانتظر غيرها، وفكر فيما كتبته لك. قبل أن تموت أنت أيضاً.

والسلام.. ختام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *