يبدأ السيناريو باختراع قضية وهمية رخيصة وساقطة اسمها المنظمات الأجنبية الحقوقية ، نفس المنظمات التي كانت تعمل في مصر منذ عشرات السنوات تحت سمع وبصر مبارك ورجالته في المجلس العسكري الذين يحكمون مصر الآن وأقسموا على أن يحكموها أو يسلموها خرابا .
نفس المنظمات كانت تعمل تحت سمع وبصر نفس النائب العام ونفس رجال النيابة العامة الذين كانوا يأتمرون بأوامر مبارك وحرمه وحاشيته وجماله وعزه وسروره وشريفه ، نفس النائب العام ورجاله الذين فسدوا وأفسدوا في عهد مبارك ، يحققون ما شاء لهم مبارك ونظامه ان يحققوا ويتهمون ما شاء لهم مبارك ونظامه ان يتهموا ، فما كان من المجلس العسكري ـ الذي نصب على الشعب حتى يتسلم الثورة في جريمة نصب متكاملة الأركان ـ الا ان يترك هذا النائب العام ومعاونوه يعيثون في مصر فسادا فوق فساد بحجة انهم لا يملكون اقالته ، وكأن ثورة لم تقم
نفس هذه المنظمات ظلت تعمل بعد الثورة وتدرب اشتراكيين وقوميين ، اخوانا ، وسلفيين ، ثوارا ، ومنتفعين ، تحت سمع وبصر المجلس العسكري ، ونائبه العمومي ـ أو الخصوصي فلا فارق يذكر ـ ومخابراته العامة والعسكرية ، وامنه الوطني أو أمن دولته فلا فارق أيضا .
ويتصاعد كاتب السيناريو بالأحداث لينفخ ويضخم في قيمة هذه المنظمات وأثرها وتدريباتها وتمويلها ليصنع منها كائنا مخيفا مهولا من ذلك النوع الذي يعجب العامة على الشاشة مثل مازنجر أو كينج كونج ، في حين انها كائنات ورقية لا قيمة لها ولا أثر ، وتدريباتها وتمويلها ما هي الا سبوبة يسترزق منها مصريون واروبيون وعرب وامريكان على السواء ، ولو كان لتدريباتهم أو تمويلاتهم أثر يذكر لما اكتسح السلفيون والإخوان الانتخابات المصرية بهذ الشكل .
ثم يبلغ السيناريو ذروته الدرامية باتهام هذه المنظمات أنها تعمل دون ترخيص حكومى ، وتحال الى النيابة العامة ليتم ندب ضابط أمن دولة سابق يتحول فجأة الى مستشار تحقيق ، حتى يضع في التحقيق كل التوابل التي تعلمها في أمن الدولة لينتهي باحالة جميع المتهمين وبينهم مصريون والمان وعرب وامريكان الى محكمة الجنايات بتهم تصل الى السجن خمس سنوات وفقا لمواد القانون التي وردت بقرار الاتهام وأمر الاحالة .
وتأتي العقدة الدرامية للسيناريو الساقط بالمواجهة الدامية التي يصطنعها المؤلف بين ماما امريكا الساحرة وأبطال الفيلم المشير والجنزوري وحسان والزند ليمتلئ الحوار الدرامي بعبارات من نوع كرامة مصر ، ومصر التي لا تنحني ، والقضاء النزيه المستقل ، ولا يسلم شرف مصر الرفيع من الأذى حتى تراق على جوانبه المعونة ، ويستعيد كاتب السيناريو من ذاكرة السينما المشهد الشهير في فيلم ابن حميدو بين المعلم حنفي وام حميدة ، فيصر المعلم حنفي انه قال لأم حميدة ميت مرة ان القضاء مستقل ، ولا يمكن استقلاله ينزل الأرض أبدا ، غير أن أم حميدة ـ التي أدت دورها باتقان الممثلة البارعة هيلاري كلينتون ، وبالمناسبة فقد أدت فايزة أبو النجا دور حميدة نفسها ـ تظهر العين الحمراء لحنفي وكل حنفي عمل فيها راجل ، اذا بأحنافنا جميعا يقولون في صوت واحد خلاص تنزل المرة دي .
ولكن كيف تنزل كلمة حنفي والقرار لم يعد في يد حنفي ، بسيطة عندنا صبي المعلم حنفي الأخ عبد المعز ابراهيم الذي لا يستحق لقب مستشار ولا حتى قاضي ، ليتوسط لدي القاضي الذي ينظر القضية ، وحين يخرج ذلك القاضي عن النص ويرفض اوامر المخرج وكاتب السيناريو ويتنحى عن القضية ، يكلف أخونا عبد المعز دائرته الملاكي التي شكلها للطوارئ ـ وطبعا مفيش أحلى من كده طوارئ ـ ، لتخلي سبيل المتهمين حتى يتمكنوا من السفر في نفس اليوم على نفس الطائرة التي خرجت من امريكا قبل صدور قرار إخلاء سبيل المتهمين
وفي نهاية الفيلم يقف المهرج بملابس السيرك ليقول لنا إن إخلاء سبيل المتهمين فى القضية، جاء على اعتبار أنها «جنحة» وليست «جناية» ، وأن العقوبات المحتملة بحقهم لا تتعدى «الغرامات المالية»،
ويكشف المهرج ما خفي من أحداث الفيلم من أنه طلب «شخصياً» من القاضي ، رئيس الدائرة التى كانت تنظر القضية بمحكمة جنايات شمال القاهرة، أن «يتنحى» عن نظر القضية، نظراً لأن أحد أبنائه، يعمل محامياً في مكتب للاستشارات القانونية، له علاقة بالسفارة الأمريكية .
ولم تكن الرسالة في نهاية الفيلم كافيه فلم يفسر لنا المهرج اذا كانت جنحة ، فلماذا أحيلت الى محكمة الجنايات ، واذا كانت العقوبة غرامة ، فلماذا امتلأ قرار الاتهام بمواد القانون التي تصل عقوبتها الى السجن المشدد .
وبأي قانون يتصل المهرج بالقاضي ليتوسط لديه في القضية فيرفض ويتنحي .
وكيف يتم تحويل القضية لدائرة أخرى ويتم تقديم تظلم اليها وتنظر التظلم في نفس اليوم مع نفسها بلا نيابة ولا متهمين ولا علانية ولا يحزنون ، وتصدر قرارها في نفس اليوم ثم بقدرة قادر تصل الطائرة من امريكا في نفس اليوم ويطير المتهمون الى امريكا في يوم ولا أيام الكابتن ماجد .
هل أنتم الذين تجلسون على المنصات لتحكموا بيننا بالعدل ، هل أنتم الذين نستأمنكم على انتخاباتنا واستفتاءاتنا ودستورنا وثورتنا ، هل أنتم من استودعكم الشعب الطيب بلده ووطنه أمانة بين أيديكم فاذا بكم تكشفون عوراتكم وعورة أمام أعين العالم بلا حياء .