بعد أن قرأت التدوينة التى كتبتها الصحفية كارولين كامل على صفحتها فى الفيس بوك تحت عنوان (التحرش على أنغام والنبى يارب) شعرت أن أقل ما يمكن تقديمه مساندة لها ولكل المصريات اللواتى يرفضن بشجاعة وجدعنة أى انتهاك حقير لكرامتهن وإنسانيتهن هو أن أقوم بإعادة نشر شهادتها لعلها تساعد بعض الغافلين على التوقف عن خداع النفس ومواجهة حقيقة تردينا الإنسانى المتوالى من هذه النقرة إلى تلك الدحديرة.كتبت كارولين كامل تقول: «ركبت المترو من محطة جمال عبدالناصر متوجهة لشبرا يوم الخميس، اكتشفت فى محطة سعد زغلول أنى ركبت الاتجاه الغلط، نزلت وتوجهت للرصيف الآخر الذى كان متكدساً بصورة مضحكة، آه والله أنا ضحكت من الزحمة، لإننا أكننا فى يوم القيامة ولإنى قدام عند عربية السيدات تخيلت أن يوم القيامة هيكون كله ستات بالمنظر ده»، فسألت وعرفت أن القطار لم يأتِ منذ 20 دقيقة، جاء أخيراً القطار وكان التدافع مرعباً، انتظرت 3 قطارات لتحمل معاناة أقل للتدافع.دخلت العربة بقوة الدفع اللا إرادى، مرت المحطات حتى اقتربت محطة مبارك أو الشهداء أيا كان اسمها لعنة الله عليها، أقسم بالله السيدات فى العربة كن ينطقن الشهادتين، فسألت إحداهن «هى دى أول مرة يكون زحمة كدة»، فقالت لى «هو أنتِ أول مرة تركبيه من يوم ما قفلوا محطة السادات ولا ايه.. طيب امسكى شنطتك كويس واوعى الجزمة تتخلع منك.. وياريت بلاش نزق بعض.. لحسن فى ناس والمصحف بتوقع على الأرض وتتدهس»، لم أفهم، ولكنها دقيقة حتى أدركت معنى كلامها. لا أتذكر كيف نزلت من العربة، ولكن أتذكر تماما كيف ظللت أكثر من 10 دقائق وأنا متجمدة بصورة لا إرادية أنا ومعظم النساء اللواتى كن حولى، منذ خروجنا من المترو وعلى الرصيف قبل منطقة ماكينة التذاكر، وفوجئنا بتدافع أعداد غفيرة من الرجال القادمين لركوب المترو من العربة الأخيرة مما يكدسهم عند عربة السيدات، وسمعنا صراخا قادما من خلفنا عن سقوط البعض من على الرصيف، وصوت فى الميكرفون يحذر من التدافع الشديد على الرصيف وسقوط البعض عنه، حالة من الرعب تجمدت فيها كل عروقى… أيدى عابثة انتهكت كل ما استطعت أن تصل إليه من أجسادنا، وصرخت الفتاة التى كانت بجوارى وتبكى بصورة هيستيرية «والنبى يارب.. والنبى يارب»، ولم ترحمها الأيدى، حاولت أن ألتف وأساعدها ولكن كنت أنا أيضاً أتعرض لما تتعرض له من انتهاك صارخ، 10 دقائق ربما أكثر ربما أقل لا أتذكر، حتى وصلت أمام ماكينات التذاكر التى وجدتها لا تعمل بناء على أوامر إدارة المترو بفتح جميع البوابات والأسوار المعدنية لمرور الجميع لتخفيف الزحام. جلست على الأرض أبكى وأتكلم مع نفسى مثل المجانين، حتى جاء أحد رجال أمن المترو يطلب منى أن أقوم من على الأرض لأن شكلى غير مستحب ولا يليق، وأن أجلس على الكرسى الخاص به، وبالفعل تحركت دون أن أتكلم تركنى دقائق ألتقط أنفاسى، وأتابع تلك العيون والألسنة التى لا يهزها حتى بكاء الضعفاء، ولكن لم أكن ضعيفة على قدر ما كنت مستنزفة نفسيا ومنهكة، كأن جلوسى على الأرض منظر مشين بينما انتهاكنا منظر جميل، كأن الصراخ بالاستنجاد بالله واستحلافه بالنبى مجرد كلمات محفزة للتمادى فى الانتهاك، بطبيعة الحال نحن شعب متدين ومن الواضح أننا نعشق ارتكاب المعاصى أثناء ذكر اسم الله».ثم تختم كارولين كامل شهادتها المؤلمة بهذه الملاحظات : «ـ غلق محطتين من المترو والسماح بتكدس لا آدمى فى المترو لدواع أمنية غير مفهومة معناه أننا نقبل أى شىء وكل شىء بحجة الأمن، والجملة الشهيرة «لازم نستحمل»، ولكن لماذا تتحمل النساء «الخراء» وحدهن.ـ دولة مفيهاش أدنى حقوق إنسان، إزاى أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا ومفيهاش مسئول واحد على الأقل عارف ايه سبب الزحمة غير المبررة دى، وايه الدواعى الأمنية لغلق محطتين منها واحدة رئيسية للتغير بين الخطوط.ــ كيف تستطيع راكبات المترو مع ما يتعرضن له كل يوم من إكمال اليوم بصورة طبيعية، بل والتعامل مع الرجال عامة، كيف يستطعن الابتسام وأرواحهن مستنفدة من الانتهاك اليومى، وأجسادهن عرضة للكلاب؟.ــ كل الأيدى الملوثة العابثة القذرة كيف تستطيع تحسس أبنائها وكل من تربطهم بها علاقات أسرية وغيرها، بأى دالة تستقيم هذه الأيدى أمام الله؟.ــ لم أركب المترو سوى مرات معدودة، ولكن بعد اليوم لن أركبه مرة أخرى، أستطيع تحمل خسارة المرتب، وساعات ضائعة كل يوم فوق الأرض على الكبارى، عن أن تتفتت روحى وأمقت جسدى، وأتقزز من الحياة عامة.ــ لن أبكى فى يوم رحلت عن هذه البلد دون عودة.. آمين يارب.. والنبى يارب.. هكذا كان لسان حالنا».انتهت شهادة كارولين كامل المفزعة، وليس عندى أدنى أمل فى أنها يمكن أن تحرك المسئولين عن مترو الأنفاق والداخلية وكافة أجهزة الدولة لاتخاذ إجراءات رادعة ضد جرائم مثل هذه فى المستقبل، بقدر ما أمتلك يقينا بأننى سأتلقى أكثر من رسالة تناقشنى فيما إذا كان تعبير (والنبى يارب) مقبولا من الناحية الشرعية ومتفقا مع العقيدة الصحيحة، فقد حدث ذلك معى عندما استخدمت عبارة (الفاتحة أمانة والنبي) من قبل، كما أمتلك يقينا بأننى سأتلقى أيضا كالعادة رسائل تشكك فى الشهادة أصلا، ورسائل أخرى تلومنى لنشر شهادة يمكن أن تقلل من بهجتنا بالانتصارات المستمرة التى نحققها كل يوم على بعضنا البعض، وأنا لن أرد على تلك الرسائل، بل سأكتفى بتمرير ما بها من نصائح لكل من يتم التحرش بها فى شوارع المحروسة، فأطلب منها ألا تنطق بجملة (والنبى يارب) حرصا على سلامة عقيدتها، وألا تتلفظ بألفاظ نابية حرصا على رقى أخلاقها، وألا تعلن رغبتها فى الرحيل عن البلد ولو حتى على الورق حرصا على سلامة وطنيتها، والأهم ألا تقوم برفع صوتها بالشكوى من أى انتهاك يحدث لها لأن ذلك يمكن أن يسىء إلى سمعة مصر ويعرقل من الجهود المبذولة لجعلها قد الدنيا.